نعم نتعب وندرس و نعمل كل سبب يوصلنا إلى مانتمنى
فإن تحقق لنا فهذا من فضل ربنا وإن صرفنا عنه ربنا
فالخيرة في ما أختاره الله
ويجب علينا أن لا نحزن حينما لانصل إلى مانريد
لأن الله لايقدر على العبد شرا وهو أعلم بحال عبده
فما صرفه عنّا إلا لأن به شرأ لنا
أو يريد لنا خيرا أفضل منه
ولنا في قصة النبي موسى والخضر عبره
((قصة موسى والخضر قصة العجائب الغيبية التي يقف أمامها العقل البشري خاشعاً ومسلماً ، فهي قصة رسول موحي إليه ومعه منهج حياة ممثلاً في التوراة ، فيه أفعل ولا تفعل ، وقصة عبد صالح آتاه الله رحمة من عنده وعلمه من لدنه علماً ، ولكل خصوصيته .
روى التاريخ أن موسى عليه السلام قام خطيباً في بني إسرائيل فلما إنتهى من خطبته سأله رجل هل تعلم أحد أعلم منك ؟
قال : لا ، فأوحى الله إليه إن لي عبداً بمجمع البحرين على الساحل عند صخره هناك هو أعلم منك . قال موسى لربه : فكيف لي به ؟
قال تأخذ معك حوتاً فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت تجده هناك ، فاخذ موسى حوتاً في مكتل ، واصطحب فتاه يوشع بن نون ، وقال له ، إذا فقدت الحوت فأخبرني . ثم إنطلق ، وأنطلق معه فتاه ، حتى وصلا إلى الصخرة وغشاهما النعاس فناما ، ومس الحوت بعض الماء فاضطرب في المكتل ، وأخذ سبيله في البحر سرباً ، فرآه يوشع وهو بين النوم واليقظة ، فلما أستيقظ موسى نسي أن يسأل يوشع عن أمر الحوت ، ونسي يوشع أن يخبره بما حدث . فأنطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان الغداة وقد أجهدهم السير ، قال موسى لفتاه : آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا تعباً لم نعهده من قبل - ذلك أن موسى لم يجد من التعب ما لاقاه منذ جاوزا الصخرة - ولما هم يوشع لإعداد الطعام تذكر الحوت الذي تسرب إلى البحر .
فقال لموسى : أرأيت إن أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنساني ذكره إلا الشيطان وقد إتخذ سبيله في البحر بحالة تدعو إلى العجب .
فقال موسى : إن فقدان الحوت هو ما كنا نبغيه ، لإنه أمارة على الفوز بما نطلبه ، فعادا إلى الطريق التي جاءا منها (( فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ً. قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشداً )) الكهف .
ومع أن موسى رسول ، إلا أنه لم يتأبى أن يعلمه عبد من عباد الله . تقرب إلى الله بالمنهج الذي جاء به موسى ، وله إصطفائية مخصوصة فموسى عليه السلام مرسل لتبليغ الرسالة - أفعل ولا تفعل - والخضر عليه السلام له تحقيق المعلوم لله الذي قد تغيب نتائجه على سلم العقل ، فإذا ظهرت حكمة الغيب فيه , آمن به العقل , وهذه الإصطفائية للخصر ليس معناها أن يفهم موسى البعض أنه فوق موسى عليه السلام ... لا إنما لكل وجهة الله موليها ............
إن قول موسى للعبد الصالح : (( هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا ً)) يلفتنا الحق سبحانه وتعالى إلى أنه مهما رفعت درجة الإنسان ، فإنه يجب ألا يتكبر ، بل لا بد أن نتواضع جميعاً ، فالكبرياء لله وحده ، ويجب أ يغتر الإنسان بعلمه أو بما آتاه الله من فضله فيتكبر في الأرض .
العبد الصالح حين طلب منه موسى أن يتبعه ليتعلم منه ، قال له (( قال إنك لن تستطيع معي صبراً . وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً )) الكهف . وهكذا قدم العبد الصالح عذراً لموسى ، بأنه لن يستطيع أن يصبر ، وليس هذا لنقص في موسى عليه السلام ، ولكن لأن الله أخبر العبد الصالح بأمور لم يخبر بها موسى ، فيقول موسى وهو من أولي العزم من الرسل (( ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً )) الكهف .
المشهد الأول من مشاهد قصة موسى مع الخضر عليهما السلام : رغم أن موسى وعد العبد الصالح بعدم السؤال ، أوعصيان الأمر ، وأن يكون صابراً رغم ذلك لم يطق الصبر على حادث غرق السفينه ، لإن خرق السفينه في البحر مؤداه غرق السفينه بمن فيها ، أمام هذا موسى عليه السلام لم يصبر ولم يلتزم الصمت , لهذا قال للعبد الصالح : (( أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً )) .. لقد شك موسى في ظاهر الأمر ، ولكن أدرك الحكمة ، وجدها عين الخير ، فلو لم يخرق العبد الصالح ( الخضرعليه السلام ) السفينه ، لأخذها ملك ظالم يأخذ السفن غصبا ، وذلك قول الحق تعالى (( وكان ورائهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً )) ... فلو لم يخرقها العبد الصالح ، لم إحتفظ أصحاب السفينه بسفينتهم ، وإن كان بها عطب.
المشهد الثاني من مشاهد القصة :
وفي مشهد آخر أعطانا الله المثل بشئ لا يوجد أعظم منه وهو .. القتل . لقد قتل العبد الصالح غلاما ً... ما الحكمة من ذلك ؟ إن الإنسان ينجب ولداً حتى يكون قرة عين وسنداً له في الدنيا ، فإذا ما كان هذا الولد سبباً في فساد الدين فإنه يقود إلى الجحيم ، ومن الخير أن يبعد الله هذا الولد من طريق أبيه ، لإنه سيكون وسيلة لإختلاله .
وقد يقول قائل : وما ذنب الولد ؟ نقول للقائل : أنت لا تعي الحكمة من ذلك ، فقد يكون الولد ذهب إلى ربه بدون تجربة في أن يطيع أو يعصي ، إذن يكون قد ذهب إلى رحمة الله مباشرة أو إقتضت حكمة العليم سبحانة أن يزيح هذا الولد من طريق أبويه ، لإنه طبع كافراً ، وسيشقي به والداه المؤمنان ، لذلك كان القتل رحمة من الله تعالى لوالديه .
المشهد الثالث من مشاهد القصة :
ومشهد آخر مع العبد الصالح وموسى ، تتجلى فيه حكمة الحكيم ، وإرادة العليم ، لقد ذهب الإثنان إلى قرية واستطعما أهلها أي : طلبا من أهلها طعاما ، لقد ورد التعبير في القرآن عن ذلك بدقة : (( واستطعمآ أهلها )) .. إن الواحد منهما لم يطللب نقوداً ، وذلك حتى لا تثار الظنون السيئة ولكن طلبا الطعام ليأكلاه . لقد طلبا أولي الحاجات الضرورية للإنسان ، فقالوا لهما : لا ، لن نعطيكما ... لقد كانوا لئاما .
ولما رأى العبد الصالح جداراً يريد أن ينقض فأقامه ، فقال موسى عليه السلام متسائلاً : لماذا لا تأخذ منهم أجراً خاصة وأنهم منعونا الطعام ؟
هنا يوضح العبد الصالح لموسى عليه السلام سبب قيامه بهذا العمل والحكمة منه فيقول (( وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً )) ... إن أهل القرية لو علموا أو رأوا هذا الكنز لأخذوه ، فهم لئام الطبع ولضاع حق اليتيمين .
((
الفائده من القصه
إذن الغاية من القصة هي الرضا بالقضاء والقدر ، والتسليم لأمر الله تعالى ، وأن كل ما يحدث في الكون هو بقدر الله وله سبحانة في ذلك حكمة ، فإذا عرفتها حمدت الله تعالى وشكرته على ذلك ، وإن جهلتها حمدت الله فسبحانة المحمود على كل حال ، وأمر الله كله خير ..........